التأمل .. طريق العظماء
تأمل .. اخلو بنفسك .. تأمل ذاتك .. تأمل علاقتك بها ..تأمل علاقتك بمن حولك وبما حولك .. اترك الدنيا ولو قليلا .. تفرغ لنفسك .. لروحك ..
لقد تأمل الانبياء والرسل والعظماء .. فتأمل ابراهيم عليه السلام بالنجوم والكواكب .. كما تأمل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الغار ..
ما هو اذن التأمل ؟ انها رحلة الوعي في الفضاء الداخلي للنفس بعد الدخول الى الذات والتنقل بالأحاسيس والمشاعر في هذا الفضاء بين محطات عدة .. من الجسم الى العقل وإلى الفكر والروح وابعد من ذلك ..
انشغالنا الكبير وأسلوب حياتنا المتسارع واهتماماتنا والتزاماتنا المتنوعة والكثيرة تعرضنا باستمرار للتوتر والقلق ، وهذا يستدعي أن نضغط على الفرامل لنتوقف قليلا ، بل من الضروري بمكان هذا الفاصل والتوقف عن المسير وعن القيام بأي عمل او إبداء أي جهد ، وان نخلو الى انفسنا ومعها فقط لتفريغ هذه النفس مما علق بها من شحنات سلبية تراكمت وقد ترهقنا ان لم تكن ..
ما هي اذن افضل الطرق للقيام بذلك ؟؟ ما علينا إلا اختيار الفرصة والهروب بالذات الى ذاتها ويفضل الى مكان رحب واسع ومريح للنفس والأعصاب بأي مكان هادئ خال من الضوضاء .. وجميل ان يكون الجو معتدلا ولطيفا ..
عند الاستفراد بالذات استرخي تماما وقم بتهدئة كل الافكار وقم بتحييد كل مؤثر خارجي على نفسك ، وبعد ان تقوم بحوار ايجابي مع النفس حاول ان تتخلص من الافكار السلبية التي لابد انها ستطفو ؛ ولكن مصيرها الخروج ، وبعد أن تتحرر من كل ما هو سلبي في داخلك ، وبعد ان تغوص بهدوء في الفضاء الداخلي للنفس وإلى أن يتم الاطمئنان الداخلي التام ، حيث يبدأ التواصل مع النفس بشكل سلس وسليم وبعد ان تتمكن من خلق دائرة ربط واتصال صحيح بين نفسك وكل ما يحيط بك من مكونات الكون ، هناك تبدأ بناء الجسور وحلقات الوصل ، وبعد بناء جسور الثقة بينها وعند وصولك الى مرحلة الانشراح والانسجام التام ، تكون قد حلقت في الفضاء الداخلي لنفسك وأصبحت تراه بوضوح مرتبطا بالكون من حولك .. تبدأ الرحلة بالانتقال من التفكير بالجسم إلى الولوج في العقل ثم الفكر والروح .. قم بعد ذلك بتفقد أحوال النفس بعد إعادة تقييم كل سلوك سابق بعد استعراض ما عندك وما حولك وما يمكن القيام به .. لتطرح بعض الاسئلة منها :
من انا ؟ كيف اعيش ؟ ماذا استطيع ان افعل ؟ ماذا استطيع ان اقدم ؟ ماذا اريد ؟ ولماذ كل ذلك ؟
رتب أفكارك من جديد واجعلها ما أمكن منسجمة مع بعضها .. فكر في علاقتك مع نفسك .. بمن حولك .. ومع ما هو حولك .. ضع سلم اولوياتك الجديد .. ضع الاهداف الأقرب فالأقرب .. ضع خطة عمل لكل هدف على حده .. ماذا يمكن القيام به في كل حالة من الحالات ؟
إنه لغاية في الأهمية ترتيب هذه الأفكار ، بحيث يكون بينها تسلسل وانسجام مع بعضها وهذا ما يؤدي إلى تطوير المهارات النفسية لكي تقوم بواجبها ووظائفها بشكل افضل ، حيث أن كل تنافر وتناقض بينها لن يساعد على بناء الجسور وحلقات الوصل بينها ، وهذا ما يصعب التنقل والمرور بين محطاتها بسلاسة. إن التأمل العميق والغوص في فضاء الذات يحرر كل ما هو جميل بداخلنا من افكار وأحاسيس وشعور وهو ما يؤدي بالضرورة للشعور بالارتياح والانشراح.
اذن علينا ان نعطي انفسنا الفرصة بان تخلو لذاتها بين الفينة والأخرى للتأمل والتدريب على ضبط النفس .. لا شك أنك بعد ذلك ستعود صافي الذهن مرتب الأفكار مرتاحا ، مشخصا لأسباب متاعبك ، واضعا الحلول المناسبة لأهدافك المستقبلية ، مجدولها في تناسق تام بعد صياغتها من جديد ، وواضعا الخطط الملائمة لتحقيق ذلك ..
هي اذن لحظات لابد منها لشحن القوى الذهنية ولاستعادة العزيمة وتقوية الثقة بالنفس..
وإن كانت هذه الخلوات والاسترخاء والتأمل في العبادة وهو الافضل ؛ فهو الطريق لتقوية أواصر علاقتك بربك وتوثيق هذه الصلة بالخالق ..
كل هذا يزيل التوتر والانفعال والقلق ويؤدي بك الى الشعور بالرضا والسعادة وتحقيق الاهداف التي رسمت ..
جل احترامي..
د.محمد خيري آل مرشد