<blockquote class="postcontent restore ">
<blockquote>ما
العمل حين تضيق الدنيا بالإنسان، حين يراها أضيق من ثقب الباب..هل لهذا
الأخير أن يلعن بدايته ويعلن نهايته، أم له الحق في أن يختار طريقا
انتحاريا لا يخطر على بال؟
وهكذا كان حين وجدوا شخصا معلقا إلى سقف حجرة خالية من أي شيء، وجدوه معلقا
والباب مغلق من الداخل..لقد علق هذا المجهول نفسه بثوب أسود منقوش بحروف
عربية بيضاء.
احتار الكثير من أهل الضاد، كيف لهذا الرجل أن ينتحر بهذه الطريقة الغريبة،
وكيف له أن يصل إلى شنق نفسه دون أن تكون هناك قطعة أثاث يصل بها إلى سقف
الحجرة. حائطها عال يبلغ مترين أو يفوق، كيف تمكن هذا الآدمي المعلق أن
يفعل ما فعل؟
تكلف المحقق الذائع الصيت السيد"كولمبو" للبحث في هذه القضية، لشهرته
الضاربة في الآفاق ولشعبيته الكبيرة في الوطن العربي التي اكتسبها عبر
ارتفاع نسبة مشاهدته على القنوات الفضائية العربية والغربية، ولقدرته
الفائقة في التوصل إلى الحقيقة في أدق تفاصيلها.
استقل سيارته السلحفاة متجها نحو الحادث. بات يفكر جديا في المسؤولية
الملقاة على عاتقه، ضرورة فك رموز هذا المشكل المحير الذي عرضته
الكَمْسَرَة العربية على الكمسرة الغربية.
وصل السيد " كولمبو " أخيرا..نزل من سيارته التحفة. تحلقت وسائل الإعلام
العربية المرئية والمسموعة عند مدخل مكان الحادث تطلب منه تعليقا أوليا
للسبب الذي دفع هذا الشخص إلى شنق نفسه بثوب أسود تضيء حلكته حروف عربية
كوفية.
حرك رأسه بخبث، أجابهم متسائلا:
- "ألستم تعيشون ظلاما نفسيا في بلاد الضوء والشمس، ألا زلتم تؤمنون بأن
حروف هويتكم هي المنارة التي قد تضيء لكم طريق الخلاص، أو على الأقل هكذا
يعتقد أغلبكم" .
سألوه بلهفة وكأن الأمر لا يهمهم:
- " ما هو رأيك في الموضوع؟ ".
قطب ما بين حاجبيه مستغربا وأجاب القوم المتهافت:
- "الرأي رأيكم!! " .
دلف إلى الداخل حتى لا يحتدم النقاش ويصدر منه ما قد لا تحمد عقباه. فتح
عينه العوراء يتفحص بها الحجرة جيدا. إنه يستعملها فقط في الحالات الخطيرة
والمعقدة. إنها ميكروسكوبه الخاص.
انتبه في لمح البصر إلى بقعة ماء تتوسط الحجرة فتحسسه بيديه، ولما نظر إلى
أعلى سقطت نقطة ماء باردة في عينه الضيقة فأغمضتها. ضحك ضحكته المألوفة،
وفهم كل شيء، لكون النقطة الباردة سقطت من الرجل اليمنى للجثة الهامدة.
خرج وهو يستخف من غباوة المنتحر الذي لم يحسب حساب البقعة وقطرة الماء.
الشيء الذي يدل على أن قطعة ثلجية ضخمة هي التي حملته عناء السفر إلى هذه
الربوع الساخنة.</blockquote>
</blockquote>