جمال الطبيعه نائبة الاداره
الدوله : التقييم : 4 تاريخ التسجيل : 10/06/2012
| موضوع: اتق الله حيثما كنت الأربعاء أكتوبر 03, 2012 5:45 am | |
|
اتق الله حيثما كنت
|
|
عن أبي ذر جندب بن جنادة ، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل ـ رضى الله تعالى عنهما ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
" اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وفي بعض النسخ : حسن صحيح(1).
تخريج الحديث :
هذا الحديث خرجه الترمذي من رواية سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن أبي ذر ، وخرجه أيضا بهذا الإسناد عن ميمون عن معاذ، وذكر عن شيخه محمود بن غيلان أنه قال : حديث أبي ذر أصح ، فهذا الحديث قد اختلف في إسناده فقيل فيه : عن حبيب عن ميمون ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بذلك.
مرسلا ، ورجح الدارقطني هذا المرسل ، وقد حسن الترمذي هذا الحديث ، وما وقع في بعض النسخ من تصحيحه فبعيد ، ولكن الحاكم خرجه ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وهو وهم من وجهين :
أحدهما : أن ميمون بن أبي شبيب ويقال : ابن شبيب لم يخرج له البخاري في صحيحه شيئا ولا مسلم إلا في مقدمة كتابه عن المغيرة بن شعبة .
والثاني : أن ميمون بن شبيب لم يصح سماعه من أحد من الصحابة ، قال الفلاس : ليس من روايته سمعت ، ولم أخبر أن أحدا يزعم أنه سمع في شئ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو حاتم الرازي : روايته عن أبي ذر وعائشة غير متصلة ، وقال أبو داود : لم يدرك عائشة ولم ير عليا ، وحينئذ فلم يدرك معاذا بطريق الأولى ، وروى البخاري عن شيخه علي بن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم أن الحديث لا يتصل إلا بصحة اللقى ، وكلام الإمام أحمد يدل على ذلك ، ونص عليه الشافعي في الرسالة ، وهذا كله خلاف رأي مسلم ـ رحمه الله ـ وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصى بهذه الوصية معاذا وأبا ذر من وجوه أخر.
ترجمة الراويين :
هما أبو ذر جندب بن جنادة ـ بتثليث دال جندب ـ أسلم بمكة ، وروى عنه أنه قال : أنا رابع الإسلام يعني أهله، وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أصدق الناس لهجة ، فقال: " ما أظلت الزرقاء ـ السماء ـ ولا أقلت الغبراء ـ الأرضـ أصدق لهجة من أبي ذر " ، روى له مائتا حديث وواحد وثمانون حديثا ، مات بمحل قرب المدينة يدعى الربذة .
وأبو عبد الرحمن معاذ بن جبل الأنصاري أسلم وسنه لا تتجاوز الثامنة عشرة سنة ، وشهد المشاهد كلها ، ومن مناقبه أنه من الذين حفظوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال فيه : "أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ ابن جبل " (2).
سبب ورود الحديث:
سبب ورود هذا الحديث أن أبا ذر الغفاري رضى الله عنه لما أسلم بمكة قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "الحق بقومك رجاء أن ينفعهم الله بك" . فلما رأى حرصه على المقام معه بمكة، وعلم صلى الله عليه وسلم أنه لا يقدر على ذلك قال: "اتق الله حيثما كنت. . . " الحديث . فإنه أولى لك من الإقامة بمكة ، وهو أمر عام يشمل جميع المسلمين ، فلا يختص به مخاطب دون مخاطب. دروس وعبر من كلام سيد البشر
العقائدية :
"اتق الله حيثما كنت "
فلا تتقيد التقوى بمكان دون آخر ، أو بزمان دون زمان ؛ لأن الله تعالى لا تحده جهة ، بل هو الخالق للمكان والزمان { فأينما تولوا فثم وجه الله } [البقرة:115]. وأنه لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه الأرضون والسموات .
وهو مع ذلك قريب من كل موجود كما قال عن نفسه : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق:16].
وهو على كل شئ شهيد : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } [ المجادلة :7].
ولا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، وأنه لا يحل في شئ ولا يحل فيه شئ تعالى عن أن يحويه مكان ، أو أن يحده زمان ، بل كان قبل أن يخلق الزمان والمكان .
علم السلوك :
حقيقة الولي التقي سنفصلها ـ إن شاء الله ـ في الحديث الثامن والثلاثين ، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن ننبه إلى خطأ التصور الشائع للولي ، حيث ترتسم في الأذهان أنه هو ذلك الدرويش ، أو المعتوه ، أو من يتجلبب الجلباب الأخضر، ويطيل لحيته ، ويشعث رأسه ، ويغبر وجهه .
ولكن الولي هو من اتصف بما وصف الله به أولياءه حيث قال سبحانه:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون} [ يونس: 62 ، 63].
والتقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي،واتخاذ الطاعات وقاية وحاجزا يقي المتقي من النار،وعلى هذا فالولي لا يكون وليا للرحمن إلا إذا آمن بالله واتقاه، ولا يكون متقيا لله إلا إذا عمل بما يرضى الله ـ عز وجل ـ وتحلى بهذه الخلال:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين .
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [ آل عمران : 133 ـ 135].
وأما إذا ادعى الولاية ادعاء صوريا ، وتحلل من جميع ما فرض الله عليه بحجة ارتقائه سدة اليقين ـ الباطلة ـ فإنه يصبح بذلك وليا للشيطان : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة:257].
الفقهية :
"اتق الله حيثما كنت "
وإقامة الصلاة من أهم مظاهر التقوى ، فإذا كان المكلف مأمورا بالتقوى حيثما كان فهو أيضا مطالب بأداء الصلاة في أي مكان كان فيه من هذا الكون الفسيح ، ومن هذا المنطلق يتحدد الجواب على بعض الأسئلة المستجدة في هذا الموضوع .
أ ـ كالصلاة على سطح القمر ، أو في السفينة الفضائية حيث يصلي الرائد الفضائي كيفما تأتي له ذلك ، وبالكيفية التي يستطيعها ، ولقد أثبتت زيارة أحد المسلمين للقمر مدى استطاعة الإنسان أداء فريضة الصلاة حتى في المجال الذي يفقد الكائن فيه ثقله ، ويتحرر من القوى الجاذبة.
ب ـ وكذلك الصلاة في الغواصة التي تغوص مئات الأقدام في أعماق البحار والمحيطات ، فلا تمنع هذه الوضعية المسلم من أداء صلاته بأي حال من الأحوال لأنها لم تحل دون التسبيح والدعاء قال تعالى : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [ الأنبياء :87].
ج ـ الصلاة في قغر الأرض كحفار الآبار ، وعمال المناجم والمساجين في الأنفاق والخدود كل أولئك يصلون الخمس ويصومون الشهر ، ولا يسقط عنهم شيئا ذلك الوضع الذي هم فيه .
الاجتماعية :
1ـ قال تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } [ الحجرات : 13] هكذا تسقط جميع الفوارق والحواجز الأرضية من شعوبية ، ووطنية ، وعرقية ، ومالية ، ويرتفع الميزان الأوحد الذي يرفع الله به أقواما ويخفض آخرين ؛ إنه معيار التقوى ، ومن هنا تنتفي جميع الادعاءات الزائفة لبعض الشعوب المغرورة بالأفضلية والمجنونة بالعظمة ، كأولئك الذين يدعون أنهم شعب الله المختار . . . الذي يجوز له أن يسحق شعبا أعزل ويبيد الأبرياء . . . لأنه موعود بتلك الأرض !
2ـ كما أن التقوى هي العامل الأساسي في تمتين وتمديد العلاقات الاجتماعية وتتحلل لا محالة كل الروابط المبنية على غير التقوى كالنسب ، والتجارة والزمالة . . . و . . و . . قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [الزخرف :67] .
" وخالق الناس بخلق حسن "
أولى الإسلام الأخلاق الحميدة عناية هامة :
1ـ حيث جعل العبرة بالجوهر لا بالمظهر . . " إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أجسامكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم " (3) .
2ـ حصر البر ـ الجامع لأعمال الخير ـ في الخلق الحسن ، عن النواس بن سمعان : "البر حسن الخلق " (4) ، وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ك "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " (5).
3ـ وهذا الثناء القرآني على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإنك لعلى خلق عظيم } [ القلم : 4] .
4ـ كما فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق الحسن على سائر البشر فقال في حديثه المروي عن ابن عمر رضى الله عنهما : "خياركم أحاسنكم أخلاقا " (6).
5ـ وليس ثمة أثقل في ميزان المؤمن يوم العرض على الله ، من الأخلاق الكريمة لما رواه أبو الدرداء رضى الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله ليبغض الفاحش البذئ " (7).
وعن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " (8).
هذه الأخلاق الحميدة التي تعود بالخير على الدعوة نفسها ، وعلى المجتمع وتجنبه ويلات وخسارات عظيمة . . . وتعود أيضا على ذي الأخلاق نفسه من جهة أخرى :
أولا : حيث تغرس وشائج المحبة في الوسط الذي يتعامل معه المتخلق.
ثانيا : وتجنبه ـ أخلاقه ـ مكايد الأعداء ، وتحفظه من شرورهم ، قال تعالى : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت :34].
النفسية :
"وأتبع السيئة الحسنة تمحها"
علاج نبوي للنفس البشرية ، ونصيحة غالية لكل من اقترف ذنبا ، وارتكب معصية حتى لا يصاب بالإحباط وحتى لا يقتله الندم ، وتأخذه الحسرة كل مأخذ {يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } [الفرقان :28] ، { فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه} [الحاقة :25] ، { ولا أقسم بالنفس اللوامة } [ القيامة :2].
عليه أن يسارع بتكفيرها ، وما تكفيرها بالأمر الجلل بل إتباعها بحسنة . . . فلا تلبث هذه (أي الحسنة ) حتى تمحو أثرها ، وتغطي رسمها ، وتقلع بعد التوبة نكتها من القلب .
ومن ثم تصبح المعصية حافزا قويا ودافعا كبيرا لمن له مثقال ذرة من الإيمان إلى الطاعات وفعل المبرات .
ولقد أصيب أقوام بانتكاسة نفسية خطيرة ، وبالتالي انعكست على أخلاقهم وسلوكياتهم حينما جهلوا هذه الحكمة النبوية الشريفة فحكموا على أنفسهم بالشقاء الدائم ـ والعياذ بالله ـ فيقول قائلهم : ما دمت قد فعلت كذا وكذا وارتكبت هذا الجرم الشنيع فلا فائدة من فعل الخير بعدئذ !
السياسية :
قال تعالى:{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } [ البقرة :177] .
إذا هذه صفات المتقين الذين لا يوالون غير رب العالمين ، فلا يوالون اليهود ولا النصارى ، ولا ينتهجون نهجا غير النهج الرباني ، ولا يولون وجوههم قبل الفلسفات المادية الشرقية والغربية ، فعندهم ما يغنيهم عن كل ذلك .
قال أبو العالية:(كانت اليهود تقبل قبل المغرب ، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق ، فقال الله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} [البقرة :177] (9).
العسكرية :
إن المعارك الإسلامية المظفرة والتي يسجلها تاريخنا المجيد باعتزاز وافتخار لم ينتصر فيها قادتها بالشروط المادية المتاحة لهم والأسلحة المتوفرة لديهم فحسب ، بل ترجع أساسا إلى تسلحهم بما هو أقوى من ذلك ألا وهو : سلاح الإيمان ، سلاح التقوى ، قال الله تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } [ النحل : 128] ، وقال سبحانه : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } [ آل عمران : 120] .
ولقد كان الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوصي جنده بالتقوى والورع مبينا أنهم لا ينصرون بكثرة العدد ولا بقوة العدة بل بانتصارهم على أنفسهم وتغلبهم على شهواتهم .
ولنتمعن قليلا في الظروف التعبوية العامة في كل من معركة بدر الكبرى وغزوة حنين ، ففي بدر حقق المسلمون أول انتصار عسكري باهر رغم أن عددهم لا يتجاوز ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا حسب رواية ابن إسحاق ، بينما كان جيش المشركين يناهز التسعمائة مقاتل ، ومع ذلك قتل منهم سبعون وأسر سبعون بينما ضاقت على اثنى عشر ألف مقاتل من المسلمين الأرض بما رحبت { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } [ التوبة :25] .
الاقتصادية :
لقد تكفل الحق سبحانه برزق المتقين فقال : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } [ الطلاق :2 ، 3 ] .
والتكفل إنما يكون بتسهيل أسباب الرزق ، والإعانة على أعباء الاسترزاق الشاقة والذي يتق الله سبحانه حيثما حل وارتحل ، وسكن وتحرك فلا شك في إخلاصه في عمله ، وأدائه على الوجه الأكمل باحترام المواعيد الزمانية ، والمقاييس الصناعية والحرص على الجودة والإتقان ، قال تعالى : { قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد } [ هود : 87] .
ثم ها هو إخلاص الغني الخبير يتجلى في السد الذي أقامه ذو القرنين{قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا .
قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما . آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا } [ الكهف : 94 ـ 97] هذا من جهة .
ومن جهة أخرى ، فإن المجتمع الذي تقوم أسسه على التقوى مجتمع متكافل لا تتداول أمواله طائفة معينة أو طبقة معينة تحتكره ، بل يتعهد أغنياؤه فقراءه فلا تهدده أشباح المجاعة أو الاستعباد أو الاسترقاق أو الاستدمار أو تحديد النسل وتنظيمه .
فقه الدعوة
1ـ عدم الإفراط في معاتبة المسيئين وتوبيخ المذنبين ؛ لأن ذلك يورث البعض منهم الانكسار والمذلة ، ويحفز البعض على الإصرار في الإساءة ، وها هو يعقوب عليه السلام بحكمته لا يكشف لأبنائه عن حقيقتهم التي يعرفها مسبقا من إرهاصات بينة ، ومن خلال مواقفهم وعواطفهم نحو يوسف عليه السلام المقرب عليهم إلى قلب والدهم ، والمدلل في نظرهم.
فهم حينما طلبوا من أبيهم إرسال يوسف معهم{قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون.أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون} [يوسف :11-12].
أجابهم بتلطف ودون أن يصفهم أكثر من { وأنتم عنه غافلون } قال تعالى : { قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون } [يوسف : 13].
ونفس الأسلوب اتبعه معهم حينما عادوا من فعلتهم متظاهرين بالحزن والبكاء ، ورغم توفر جميع الدلائل ليعقوب عليه السلام على صحة حدسه في أبنائه وهي :
أ ـ { قال يا بني لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} [يوسف:5]
ب ـ مجيؤهم بالقميص غير ممزق ولا مخرق مما يفند افتراس الذئب له ، ومع كل هذا عقب على افتراء أبنائه عليه فقال : { قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } [ يوسف :18].
2ـ الاعتماد في الدعوة للإسلام على الأخلاق الحسنة ومعاملة المدعوين ـ وغيرهم ـ معاملة أخلاقية طيبة ، بعيادة مريضهم ، وإعانة محتاجهم ، ونصر المظلوم فيهم ، وإغاث ملهوفهم ، وإعالة يتيمهم .
لما للأخلاق من تأثير بالغ ، أما إذا كان الناس لا يرون داعيهم إلا على المنبر ، فإن كلامه لا يفارق مكانه أبدا .
تطبيق
1ـ "اتق الله حيثما كنت" . رغم أن التعبير النبوي دقيق وبليغ ، ومع ذلك فلا زال يسود اعتقاد خطير مفاده أن التقوى تتوقف على أزمنة وأمكنة كرمضان مثلا الذي يعتبره البعض موسما دينيا "وحيدا" يتوب فيه العاصي ويصلي فيه تارك الصلاة ، بل ويحجم الخمار عن معاقرة أم الخبائث قبل رمضان بأجل ـ في بعض الجهات ـ ثم لا يلبث رمضان أن ينتهي فتنطلق قوى الشر وكأنها حلت من عقالها .
وكذلك الاعتقاد نفسه في الأمكنة المقدسة . . . والمساجد ، والحقيقة أن هذه التصورات من العقيدة النصرانية الباطلة ومنبثق من هيمنة الاستعمار المسيحي على البلاد الإسلامية أمدا من الدهر.
2ـ ويتصور البعض أن الحسنة تمحها السيئة إذا أردفت عليها ، ولكن الحديث يقرر العكس ، 0 وإنما كانت الحسنة تمحو السيئة ؛ لأن الشئ يزول بضده ، كما نراه في المحسوسات ، وكان مقتضى ذلك أن الحسنات تمحوها السيئات ، إلا أن فضل الله عظيم ، ومن هذا الفضل أن السيئة لا تمحو الحسنة ، ما دام العبد مؤمنا } (10).
وأما حديث : " إياكم والحسد ، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"، فمعناه أن المحسود يأخذ من حسنات الحاسد كثيرا حتى يذهب بها ، والحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة .
3ـ اعتماد البعض على أسلوب فظ غليظ في الدعوة لله ، وينصبون من أنفسهم قضاة لا دعاة يأمرون بجفاء وينهون بغلظة تنفر القلوب منهم ، وربما مما يدعون إليه ، فيكونون سببا في عزل الكثيرين عن الإسلام من حيث لا يقصدون أو حتى لا يشعرون { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } [ الكهف :103 ، 104] .
================ المراجع والهوامش:
1ـ اتق الله : لم يقل : اتقيا ؛ لأنه خاطب كلا منهما على حدة ، والتقوى في اللغة : هي اتخاذ الوقاية من كل ما يخاف منه . وفي الشرع : كلمة جامعة لفعل المأمورات وترك المنهيات .
حيثما : "حيث" ظرف مكان زيدت فيها "ما" لإفادة التعميم ، أي : اتق الله في أي مكان كنت فيه وفي أي زمان .
وخالق الناس : أي عامل الناس.
بخلق : "الخلق" بضم اللام : الطبع والسجية وهو في العرف صفة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير سابق تفكير ، فإن كانت الأفعال الصادرة عنها محمودة عقلا وشرعا ، سميت هذه الصفة خلقا حسنا وإن كانت مذمومة عقلا وشرعا سميت خلقا سيئا . اهـ. من مختصر النبراوي على الأربعين النووية ، لعبد الرحيم فرج الجندي.
2ـ رواه الترمذي بسند صحيح من حديث أنس . 3ـ رواه مسلم وابن ماجه. 4ـ رواه مسلم . 5ـ رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن حبان ، والحاكم . 6ـ رواه الترمذي ، ومسلم ، والبخاري. 7ـ رواه الترمذي ، وأبو داود 8ـ رواه الترمذي . 9ـ مختصر تفسير ابن كثير ، لمحمد علي الصابوني 1/153. 10ـ مختصر النبراوي على الأربعين النووية ص 69 ، ط : القاهرة . |
| |
|
عبير الزهور
مديرة المنتدى
الدوله : التقييم : 6 تاريخ التسجيل : 07/05/2011
| موضوع: رد: اتق الله حيثما كنت الإثنين أكتوبر 08, 2012 2:33 am | |
| بارك الله فيكي وفيما خطته يداكي تسلم ايدك من النار وكل من قال امين
تقبلي مروري | |
|