الحــــــــــــــــديث :-
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:-
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان , أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار )
المعني العام :-
يرسم الرسول صلوات الله عليه في هذا الحديث صوره مثاليه المؤمن الكامل وهي ان يتوجه بكليته إلي ربه , فلا يحب الا ما يحب ولا يبغض الا ما يبغض ويظهر هذا التوجه في امور ثلاثة وهي :-
1- 1- ان يقدم طاعة الله ورسوله علي ما عداهما من ملاذ الدنيا . وشاهد هذا قوله سبحانه وتعالي ( قل ان كان ابائكم وابنائكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيل الله فتربصوا حتي يأتي الله بأمرهوالله لا يهدي القوم الفاسقين ).
2- أن يجعل الغايه من صلته بالعباد وحبه لهم أن ينفعهم او ينتفع منهم بخير أخروي فلا يدفعه حبهم لأجل جاه او مال او عرض زائل.
3- أن يتمسك بدينه ويستعذب الاذي في سبيل الله وأن يكره الدخول في الكفر والفسوق والعصيان كراهية ان يقذف في النار – ومرمي الحديث الحث علي سمو النفس وحب المنعم لذاته لا لإنعامه حبا يفوق كل حب , والسمو بحب العباد عن الغايات الدنيئه والتمسك بالمبادئ الحقه, فالحديث بهذا يكون الشخصيه ويربي العزه النفسيه في حدود اداء الحقوق والواجبات.
المبـــــــــــــاحث العربيه :-
1- 1- ( أنس ) بن مالك خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم عشر سنين . دعا له رسول الله بالبركه في ماله فكان له بستان يحمل مرتين في السنه , وفي ولده فكان اكثر الصحابه ولدا وبطول عمره فعاش مائه سنه , وبمغفرة ذنبه فكان يقول..وإني لأرجوا الرابعه .
2- 2- ( ثلاث ) مبتدأ وهو نكره كون التنوين فيه عوضا عن المضاف إليه والتقدير ثلاث خصال ..
3- 3- ( كنّ ) كان تامه , والنون فاعلها والجمله صله ( من ) لأنهما موصوله مبتدأ تان .
4- 4- ( وجد ) بمعني اصاب تحتاج الي مفعول واحد والجمله خبر ( من ) والمبتدأ الثاني وخبره خبر ( ثلاث )
1- 5- ( حلاوة الايمان ) الحلاوه انما تكون في المطعومات والايمان ليس مطعوما فشبه الايمان بالعسل ونحوه ثم حذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو الحلاوه وهذا ما يسمي في عرف البلاغه بالإستعاره بالكنايه.
2- 6- ( أن يكون الله ) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر بدل من (ثلاث)او خبر لمبتدأ محذوف اي احداهما كون الله ورسوله ….الخ
3- 7- ( أحب اليه مما سواهما ) أحب أفعل تفضيل استعمل مع ( من ) فيلزم الافراد و ولا يضره فصله عنها بالجا والمجرور.
4- 8- ( لا يحبه الا الله ) جمله حاليه من فاعل ( يحب )
5- 9- (وأن يكره أن يعود في الكفر ) أن يعود مفعول (يكره ) وقد ضمن يعود معني يستقر فعدي بفي وكان حقه أن يعدي بإلي –وقيل إن (في ) بمعني إلي كقوله تعالي ( او لتعودن في ملتنا)
6- 10- ( كما يكره ان يقذف في النار) ما مصدريه والمصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف والتقدير : كرها ككرهه القذف في النار .
فقه الحــــــــــــــــــــديث :-
صحيح الايمان هو ان يجد للإيمان حلاوة تجعله لا يفضل عليه شئ مهما كان عظيما في نظر اهل الدنيا , ومريض القلب بالفسق والنفاق لا يجد للإيمان لذه فينصرف عن العمل فيما يوجد هذه اللذه كما يجد مريض داء الصفراء طعم العسل مراً.
والمقصود من حلاوة الايمان هو ما يجده المؤمن من لذة الطاعات لذه عقليه قد تفوق اللذه الحسيه , وقيل هذا الذوق محسوس فإن القلب السليم من امراض الغفله والهوي يذوق طعم الايمان ويتنعم به كما يذوق اللسان طعم العسل وإنما عبر عن هذه الحاله بالحلاوه لأنها اظهر اللذات المحسوسه .
وقال ابن أبي حمزه :- إنما عبر بالحلاوه لأن الله شبه الايمان بالشجره في قوله ( ضرب الله مثلا كلمة طيبه كشجرة طيبه) فالكلمه هي كلمة الاخلاص والشجره هي اصل الايمان وأغصانها هو اتباع الاوامر واجتناب النواهي وزهرتها ما يهم به من به المؤمن من الخيرو وثمرتها عمل الطاعات وحلاوة الثمر من الشجر وغاية كماله تناهي نضج الثمره .
وقال ( مما سواهما ) ولم يقل ممن سواهما ليشمل العاقل وغير العاقل وجمع نفسه وربه في ضمير واحد ( سواهما ) مع انه صلي الله عليه وسلم انكر علي الخطيب الذي جمعهما في خطبته حين قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فقد غوي قال له الرسول ( بئس الخطيب انت ) لأن هذا الجمع غير مستحسن من غير الرسول لإيهامه التسويه.
وثمرة محبة العبد لله ورسوله الالتزام الكامل بموجبات المحبه وهي الامتثال للأوامر والابتعاد عن النواهي
ويستدعي الحب هنا امتثال العقل لهذا الحب وإن كان علي خلاف هواه .
الا تري المريض يعاف الدواء وينفر عنه ولكنه يميل اليه ويهوي تناوله بمقتضي عقله لما يعلم ان صلاحه فيه.
قال الغزالي :- الحب درجات اعلاها وأدقها وأغمضها – وهو ممكن – أن يغلب الحب بحيث لا يبقي للنفس حظ إلا فيما فيه رضاء المحبوب وعنه عبر قول من قال :-
أريد وصاله ويريد هجري … فأترك ما أريد لما يرد
وقوله ( وما لجرح إذا أرضاكموا ألمٌ )- وحقيقة حب المرء حبا في الله ان تكون غايته امرا اخرويا , وقال يحي بن معاذ: حقيقته الا يزيد البر ولا ينقص الجفاء , وقال الغزالي : ومن الحب في الله أن يحب المرء لا لذاته بل لغيره وهذا الغير راجع الي حظوظه في الاخره وذالك كمن يحب استاذه لأنه يتوصل به الي تحصيل العلم وتحسين العمل للفوز في الاخره.
الدروس المستخلصه من الحديث:-
-1 الحث علي سمو النفس وحب المنعم لذاته لا لإنعامه
2- الحث علي ان يحب المسلمون بعضهم في الله
-3 الاشاره الي التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل
